المحافظون الجدد والصهيونية الدينية- تحالف يقود نحو الكارثة؟

المؤلف: د. عبد الله معروف11.09.2025
المحافظون الجدد والصهيونية الدينية- تحالف يقود نحو الكارثة؟
في الحادي والثلاثين من يناير الماضي، بينما كانت الحرب الإسرائيلية الشرسة مستمرة على قطاع غزة، اجتمع نخبة من القادة الدينيين والسياسيين الأمريكيين في متحف الكتاب المقدس بواشنطن. هذا اللقاء جزء من برنامج سنوي بدأ عام 2022 تحت اسم "التجمع الوطني للصلاة والتوبة"، برعاية مؤسستين أمريكيتين هما "مجلس بحوث الأسرة" و "وبل فيرسد"، اللتان تداران بواسطة شخصيات تنتمي إلى التيار المسيحي اليميني المتشدد في الولايات المتحدة. من بين الشخصيات البارزة التي شاركت في هذا الحدث كان رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري، مايك جونسون، المعروف بولائه للتيار اليميني المحافظ. كما حضر عدد من أعضاء مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين، والذين ينتمون بدورهم إلى الحزب الجمهوري المحافظ. هذا التجمع السنوي هو ظاهرة حديثة تعكس تنامي نفوذ التيار اليميني في الولايات المتحدة، خاصة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. ومع ذلك، كان الأمر اللافت في تجمع هذا العام هو تخصيص النصف الثاني من البرنامج، الذي امتد لخمس ساعات، لدعم إسرائيل. تضمن البرنامج فقرات ملفتة، أبرزها استضافة الحاخام المتطرف يتسحاق (تساحي) مامو، المقيم في مستوطنة عوفرا بالضفة الغربية، والمعروف بدوره في محاولات شراء وتسريب العقارات في القدس، وخاصة في حي الشيخ جراح، حيث يُعتبر أحد المحركين الرئيسيين لتهجير سكان الحي.
تيار الصهيونية الدينية في إسرائيل يُعد امتدادًا لتيار الحاخام المتطرف مائير كاهانا، الذي صنفته الولايات المتحدة الأمريكية تنظيمًا إرهابيًا عام 1997، في عهد إدارة كلينتون الديمقراطية، في محاولة للحفاظ على حليفتها إسرائيل من آثار هذا التيار الهدامة عليها.
الغريب في الأمر أن مامو قُدِّم خلال البرنامج كأحد المسؤولين عن رعاية البقرات الحمراء، المُعدة لإجراء عملية الحرق والتطهير الدينية التي يعتمد عليها تيار الصهيونية الدينية في إسرائيل لإلغاء فتوى منع اليهود من دخول المسجد الأقصى. يرافقه في هذا المسعى صديقه الأمريكي بايرون ستينسون، وهو مسيحي أنجليكاني متطرف من ولاية تكساس، كان هو المسؤول عن نقل البقرات الحمراء إلى إسرائيل قبل حوالي عام ونصف. خلال البرنامج، تبين أن مامو وستينسون هما المسؤولان المباشران عن إنتاج خمس بقرات حمراء مُعدلة وراثيًا ونقلها إلى إسرائيل، تمهيدًا لذبحها وحرقها وإجراء طقوس التطهير الدينية. تهدف هذه الطقوس إلى تمهيد الطريق أمام تيار الصهيونية الدينية لإلغاء فتوى الحاخامية الكبرى في إسرائيل بمنع اليهود من دخول المسجد الأقصى، وفتح المجال أمام اقتحام عشرات الآلاف من اليهود للمسجد. لمدة 35 دقيقة، قدم الحاخام مامو عرضًا مطولًا حول الإجراءات التي اتخذها بالتعاون مع صديقه المسيحي الأنجليكاني وعدد من المسؤولين الجمهوريين في الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى، لتجهيز الأدوات والمواد اللازمة لإجراء أعمال التطهير وبناء "الهيكل الثالث" مكان قبة الصخرة. مامو، الذي يشغل حاليًا منصب القنصل الفخري لدولة بابوا غينيا الجديدة، لعب دورًا محوريًا في إقناع هذه الدولة بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بل وفتح سفارة لها في القدس في الخامس من سبتمبر 2023، قبل شهر واحد فقط من عملية "طوفان الأقصى" والحرب الحالية على غزة. في ذلك الوقت، لم أدرك سبب الحماس المفاجئ لبابوا غينيا الجديدة لفتح سفارة لها في القدس، حتى استمعت إلى خطاب مامو الذي كشف أن رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة، جيمس مارابي، هو مسيحي أنجليكاني متشدد، وأن أعضاء حكومته يعتقدون أن بابوا غينيا الجديدة كانت مصدر الذهب الذي غطى "هيكل سليمان الأول" المذكور في التوراة! بناءً على ذلك، أبرموا اتفاقًا مع شركات، يُعتقد أنها إسرائيلية، للتنقيب عن الذهب في بابوا غينيا الجديدة، على أن يُخصص ثلث الحصص المستخرجة للحكومة، وثلث للشركة المنقبة، وثلث لبناء "الهيكل الثالث" في القدس. بالإضافة إلى هذا الحاخام المتطرف، استضاف البرنامج عضو الكنيست أوهاد تال، العضو في الكنيست عن حزب "الصهيونية الدينية" الذي يرأسه بتسلئيل سموتريتش، والمقيم في مستوطنة إفرات بالضفة الغربية. حضر تال هذا البرنامج خصيصًا لتكرار الأكاذيب التي نشرتها إسرائيل منذ بداية الحرب حول الاغتصاب، وإحراق الناس، وقطع رؤوس الأطفال، والتي تبيّن زيفها بالكامل. كما خُصصت كلمة لدومينيك بيرمان، وهي شخصية إسرائيلية أمريكية مثيرة للجدل تدعو إلى ما تسميه "عودة المسيحية إلى أصولها اليهودية"، مع زوجها الحاخام باروخ بيرمان. بيرمان تدعو علنًا إلى ضرورة تطهير الأرض "بين النهر والبحر" من الفلسطينيين وجعلها يهودية بالكامل. والغريب أنها دعت الساسة الأمريكيين خلال هذا البرنامج إلى تحقيق "الوعد الإلهي" بتسليم الأرض من الفرات إلى النيل لليهود، بل ونفخت البوق اليهودي، على الرغم من أن البرنامج مسيحي بالدرجة الأولى. الأمر المثير للقلق في هذا البرنامج ليس فقط وجود هذه الشخصيات الإسرائيلية المتشددة، التي تنتمي جميعها إلى تيار الصهيونية الدينية، كضيوف شرف، وإعطائهم الفرصة لعرض رؤيتهم الدينية التي يبنون عليها قراراتهم وتحركاتهم السياسية المليئة بالنبوءات الدينية حول نهاية العالم ومجيء المسيح، بل أيضًا حقيقة أن مثل هذا البرنامج المتطرف يحظى برعاية كاملة من الكونغرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون حاليًا. إن حضور شخصيات رفيعة المستوى مثل رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون، وهو الرجل الثالث في السلطة حسب الدستور الأمريكي، برفقة أكثر من عشرين عضوًا من مجلس النواب والشيوخ الجمهوريين، ومشاركتهم في الصلاة، يعطي إشارة واضحة إلى طبيعة الشخصيات التي تتولى اليوم مناصب الحكم في الولايات المتحدة وتوجهاتها. في الوقت الذي يرى فيه العالم أن تيار الصهيونية الدينية الخلاصي في إسرائيل يشكل خطرًا كبيرًا على العالم، باعتباره ينظر للحرب المقدسة ونهاية العالم وقدوم المسيح، ويرسم سياسات حكومة نتنياهو بناءً على هذه التصورات والأساطير الدينية، فإن هذه الشخصيات التي تتبوأ مناصب مهمة في رسم السياسة الخارجية الأمريكية تعتبر تيار الصهيونية الدينية الإسرائيلي حليفًا لها. هذا يمثل تحولًا هامًا في السياسة العامة للحزب الجمهوري الأمريكي، الذي يبدو أنه أصبح تجمعًا للمتعصبين دينيًا من أقصى اليمين. لا ينبغي أن ننسى أن تيار الصهيونية الدينية في إسرائيل هو امتداد لتيار الحاخام المتطرف مائير كاهانا، الذي صنفته الولايات المتحدة الأمريكية تنظيمًا إرهابيًا عام 1997، في عهد إدارة كلينتون الديمقراطية، في محاولة لحماية حليفتها إسرائيل من آثار هذا التيار المدمرة. وذلك بعد ثلاث سنوات من تنفيذ أحد أتباعه، باروخ غولدشتاين، مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل. لكن حكومة بايدن الديمقراطية، في مفارقة غريبة، رفعت هذا التيار من قوائم الإرهاب الأمريكية في مايو 2022، بزعم مرور فترة طويلة من الهدوء وعدم لجوء أتباعه إلى العنف. في رأيي، من غير الممكن أن تصل علاقات تيار كان مصنفًا على قوائم الإرهاب إلى هذا المستوى من القوة والتحالف العميق مع تيار المحافظين الجدد المتدينين في الولايات المتحدة خلال عامين فقط. لا بد أن الروابط بين تيار المحافظين الجدد المتدينين في الولايات المتحدة والتيار الكاهاني، الذي أنتج الصهيونية الدينية في إسرائيل، تعود إلى فترات أقدم، ولم تتأثر بتصنيف هذا التيار على قوائم الإرهاب الأمريكية. هذا الأمر يعطي مؤشرات خطيرة حول التحولات التي تجري داخل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية. إن التعصب الديني والاندفاع وراء النبوءات الخلاصية التي تميز تيار الصهيونية الدينية الحاكم في إسرائيل قد تغلغل، كما يبدو، في أروقة الكونغرس الأمريكي، حتى وإن لم تتمكن هذه النبوءات الخلاصية بعد من إحكام قبضتها على الحكم في الولايات المتحدة. لكن ما حدث في واشنطن في نهاية يناير الماضي ينذر بأننا قد نكون على أعتاب مرحلة خطيرة، ربما لم تشهد المنطقة مثيلًا لها. هذا يحتم على أصحاب العقول، ليس في منطقتنا فقط، بل في العالم كله، أن يدركوا خطورة أن يمسك هؤلاء المتعصبون بمفاتيح الأرض، ويجب أن يعمل ساسة العالم على كبح جماح هذا التطرف الديني الذي يجر المنطقة والعالم إلى كارثة لا محالة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة